الله سمّانا المسلمين وليس “الاسلاميين”! بكر أبوبكر

 

لم يرقني أبدا بعض المصطلحات المستخدمة بكثرة دون تمحيص أو اهتمام، وخاصة تلك المتعلقة باللغة العربية أو بالإسلام أو بفلسطين، وفي ظني أن تعزيز الانتماءات يبدأ من حسن اختيار الألفاظ والمعاني والمصطلحات لأنها تعكس نفسها على الشخصية بل وعلى طريقة التفكير والايحاءات الكثيرة.

فلسطينيا نحن نحار أو نتلعثم كثيرا في استخدام المصطلحات فعلى سبيل المثال يرد كثيرا مصطلح المقاومة في مقابل الثورة أو الفدائي ولكلّ معناه، ويبرز الكفاح والنضال في سياق المرادفات وان كان لكل معناه، فان كان الفدائي أو الثائر يضحي بنفسه من أجل الشعب فان مصطلح المقاومة جاء ليعكس المفهوم بمعنى التغطي بالشعب لمصلحة المناضلين، فأيها نختار وأيها ذات تعبير أدق ؟ كما اننا نستخدم مصطلحات الحركة والحزب والجبهة في غير موضعها سياسيا… وأيضا في استخدامنا للكثير من المزور والمشوه في تاريخنا وما يضاف اليه من سياقات توراتية محرفة.

لم يتورع العرب بالمقابل على ادخال الكثير من المصلحات الأجنبية والدخيلة في لغتنا دون الأخذ بالاعتبار ضرورة تنزيه اللغة وتحصينها والبحث في كنوزها لا سيما وهي المليئة بالدرر كما قال الشاعر.

فمن استخدام مصطلحات التحررية (الليبرالية) والسراطية (الاستراتيجية) والعملياتية (البراغماتية) والاستبداد (الدكتاتورية) والدولة الشوروية (الديمقراطية) أو الدولة الدينية (الثيوقراطية)، والرائي (التلفزة) والشابكة (الانترنت) والحاسوب وكلها وغيرها ذات البديل العربي الأجمل والأدق الى استخدام مصطلحات عنيفة ومضرة بحق ديننا الاسلامي وهي ما أود الاضاءة عليها هنا أكثر.

يقصّر اللغويون العرب والمهتمون بالمعاجم واللغة العربية بحق لغتنا ، كما نقصّر نحن حين نفترض أن استخدام مصطلحاتنا العربية مدعاة للسخرية أحيانا كما يظن البعض أو الكثير، أو يخرجنا من ربقة التقدميين أو بالادعاء أنها لا تواكب العصر؟! الى ان يصبح مصير لغتنا العربية الحية بأصحابها الأموات الى المتحف.
وكذلك الأمر بصياغة بعض المصطلحات التي تودي بالمسلمين الى الهلاك فيما ارتبطت بمسميات تنسب للإسلام زورا وبهتانا.

نشأ مصطلح (الاسلامي) و (الاسلامية) حديثا وردده ابن تيمية والأشعري والجاحظ وابن خلدون ما لم يرد لا في القرآن ولا في السنة ، ولكنها مع ذلك استخدمت تاريخيا للتفريق بين من ولدوا في عصر الاسلام الأول ولم يشهدوا الجاهلية ، ومن ولدوا وعاشوا في الجاهلية وماتوا قبل الاسلام كما يورد ثروت الخرباوي في كتابة سر المعبد.

لقد دخل المصطلح أي (الاسلامي) في القرن العشرين حتى أصبح له مدلولات نفسية مضلّلة تعني أن (الاسلامي) هو من يدين بالعبودية لله وحده في نظام حياته أي في القوانين والتشريعات ، وكما يتابع الاخواني السابق أحمد ابو غالي مضيفا: ويستجلب ذلك لعنات التكفير من كتاب سيد قطب لمن هو ليس (اسلامي) وفق تفسير قطب ومن سار على دربه حتى اليوم ، ما يعني حكما أن غير المنتمي للتنظيم المسمى “الاسلامي” هو كافر وليس بمسلم، كما أستقر حاليا لدى العديد من المنتمين للتيارات الدينية.

اما مصطلح “الاسلام السياسي” فهو مما لا يستساغ لدي أيضا، ولدي الكثيرين لأن تقسيم الاسلام كما يتبع الغرب والسائرين على دربه الى “اسلام سياسي وإسلام شعبي وإسلام سلطوي وإسلام اجتماعي…” هو طعن في الاسلام وتفتيت له، وكأن هناك اكثر من اسلام ، ما هو باطل.

إن الانجرار وراء مثل هذه المصطلحات الفاسدة والمضللة وما لحقها من اختصاص فئة أو فرقة أو حزب أو جماعة أو جماعات من المسلمين بالتسمية هو نزع عن باقي المسلمين صفة الاسلام، فأن يكون التنظيم الفلاني “اسلامي” هو شتم للمسلمين وتجهيل مقصود لهم ما لم يكن من سمة علماء المسلمين الذين اجتهدوا ولم يقولوا عن اجتهادهم انه “اسلامي” دون غيرهم.

إن التغطي بصفة “الاسلامي” هو وصفة كهنونية لا توجد بالإسلام فكما يقول الشيخ أحمد ابو غالي يصبح انتقادك (للإسلامي) كأنك انتقدت الاسلام نفسه رغم انه فكر انساني .
إن قصر أو حصر (الاسلامي) بفئة دون غيرها طعن في أمة المسلمين وطعن في أمة دين الاسلام الذين سماهم الله المسلمين ولم يسمّهم “الاسلاميين” في نص القرآن الكريم.

وان رغبنا ولا بد في استخدام مصطلح الاسلامي حديثا مخالفين في ذلك رأي الشيخ أبوغالي فان المعنى لن نقبله من أفواه المحتكرين، ليكون الاسلامي هو كل مسلم مهما كان حجم تدينه، ورأيه، أما “الاسلاموي” فهو احتكار الدين والرأي في الحزب وشخوصه ما ينطبق على أكثرية الأحزاب الدينية اليوم.
يقول الشيخ أحمد ابو غالي في كتاب ثروت الخرباوي (اسم الكتاب سر المعبد الذي طبع منه 12 طبعة حتى الآن وحاز على جائزة معرض الكتاب بالقاهرة عام 2013 لأفضل كتاب سياسي) أن تاريخ الاسلام انتهى مع وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما لحقه هو تاريخ المسلمين وحضارتهم وفكرهم وثقافتهم حتى الآن ، ولذا فان النقد لتاريخ وحضارة وأفكار وتعددية المسلمين جائز، لأنه ليس نقدا للإسلام ذاته ابدا ، فالأقانيم والرموز التي قدسها المسلمون وخاصة منذ القرن العشرين حيث الافراط في استخدام مصطلح “الاسلامي” تجعلك لا تقترب من “شيخ الاسلام أو حجة الاسلام أو عالم الاسلام” أو الحركة/الحزب/الجماعة “الاسلامية” ما يعني انك ضد الاسلام على الأقل في ضمير المنتمين لهذه الجماعة / الحركة وعليه فانك تصبح عدو الاسلام او على الاقل كاره له.

ان محاولات اسقاط النزاهة والقداسة والصوابية المطلقة المستمدة من الدين على كل من يلبس عباءة مبرقعة بالإسلام هو بالتأكيد صاحب فكر فاسد وفكر استبدادي وفكر اقصائي يريد ان يحصن اجتهاده الانساني بغلاف لا يمكن التصدي له من قداسة الدين فيصبح التنظيم / الجماعة / الحزب منزها ومقدسا وكذلك أفراده وما يقولون ويفعلون.
اننا ندعو لإعادة النظر في الفكر والثقافة الفلسطينية وفي الفكر والثقافة والحضارة العربية الاسلامية المنفتحة والرحبة والمصطلحات المرتبطة بها تلك التي لا تقدس الرأي من أي جهة جاء ولا تحصن الشخص بل تتقبل رأيه وقد تنقضه، وتستمع له وتجادله، وفي الدعوة طلب لاحترام العقول وعدم اقفالها تحت وطأة السمع والطاعة الجبرية فيما هو “اسلامي” دون غيره من المسلمين، ولأن الله سمانا جميعا المسلمين فان عقولنا مختلفة ولا نتميز عن غيرنا من الأمة والأمم الأخرى بالتفكير الا بما هو طاعة لله، وبما نخدم به البشرية.

أضف تعليق